أتذكر هذه اللحظة جيداً ، أتت جدتي بعد علاج مطول بالاشعاع لسرطان ، سألتها والدتي ؛ هل أنتِ بخير هل تشعرين بألم . قالت جدتي رحمها الله : " لا انا بخير الحمدلله كل اللي من عند الله خير " صمتت وبكت بصمت ! رحمك الله يا جدتي يا قوتي وقدرتي على المضي .
لم تكن طفولتي سعيدة جداً كان والدي في تلك الفترة شديد القسوة أتذكر شغفي بالتصوير أحضرت لي جدتي كيمرا فوريه ، أخذها والدي وكسرها خدش حلمي بحجة " التصوير حرام " بكيت بغصه في اليوم التالي اخذتني لمحل أخر وقالت لي " اختاري الكيمرا الي تبينها ترى كل شي يتعوض يا بنتي الا الروح"
اتذكر اول مشروع لي بفضل جدتي " دكان صغير" لم يكن هناك دكان قريب من منزلنا فقررت فتح دكان في منزلنا ، ساعدتني جداً في ذلك من مالها الخاص " كرتون كتكات ، عصير ، بوفك ، مصاص " علم اطفال البناية بالمشروع في اليوم الاول فرحت جداً بالدراهم التي تصلني من مشروعي ،وتوسع في اليوم التالي
ومن فرط سعادتي اخذتني لأحضر طلبات أخرى وصلت لدكان " لبان ، جبس عمان ، وغيرها " كثر الطرق على الباب من بعض الأطفال كنت أجري فرحاً عند كل طلب ! غضب والدي وانزعج ومن طرق الباب ضربني رمى بقالتي في جميع انحاء الغرفة واجبرني على اعطاء جدتي كل الدراهم التي جمعتها ١
بكيت بحزن أنتظرت عودتها رأت الفوضى ودموعي ، واعطيتها الدراهىم غضبت مني لم أفهم لماذا سحبت الكيس ومضت ! مرت أيام نسيت فيها مشروعي كنت حينها مع جدتي نتحدث وذكرتني به ذهبت إلى "السحاره" وقالت ترى خشيتهن وزادن وفعلاً زادت الدراهم! أمنت بعدها بفترة طووويله انها غضبت لأنني استسلمت
لم تدرس جدتي علم النفس ، لم تدخل دورات في الايجابية ، ولكنها كانت أعظم من علمني الأمل ، والصبر ، أعظم من رافقني واضحكني ؛ اعظم من جعلني أتحمل الألم ، كانت حين ترى الكدمات في جسدي تضمني تلقي الشعر تارةً أو تخبرني قصة سمعتها مراراً منها حفظتها غيباً ولكنني أحببتها بصوتها.
كم كنت أفكر كثيراً الهرب من التعذيب الجسدي والنفسي وحتى الأرهاب الديني ففي عمر ١٢وضع والدي رجله على صدري لرفضي للنقاب واجبرني على أرتدائه وأخذني إلى الالعاب !مضحك كنت اقفرز بنقابي "اضحكو يضحك " لم تصمت جدتي وأجبرتهم على ترك طفولتي، تعلمت منها أن هُناك رأي لابد أن يُسمع!
جدتي أخبرتني أن شهادتي سلاحي وأن هروبي بداية أخرى لمشاكل لا خبرة لي فيها ، كانت تعطيني المال دون أن أحتاج ، كانت تنتظر مني الخبر المفرح وشهادتي لا تعرف القراءة ولكنها تُصر على رؤية شهادتي " ها العنود ماشي دويرة حمراء" التميز في نظر جدتي القدرة على المضي والتعلم في ظروف منزلي !
جدتي علمتني أن قيمة الحياة في اليوم الجديد لا في معاناة اليوم السابق،أن النجاح يكون بعد تخطي العثرات والوجع ،أن التميز في الصمود والصبر ،كانت تقول لي " بتكونين شيء كبير" لا أعلم أن أصبحت ولكنني تجاوزت تلك التحديات والأن أحظى بحياة ترضيني لو رأتني تلك الطفلة التي كنت "ستفخر بي "!
جدتي قريباً سأسافر مثلما أخبرتني " بتروحين برع تدرسين " كُنت اقول لكِ "مع ابوي مستحيل " ، ضحكتي حينها " على الله ماشي كبير ! صدقتي سفري بعد أسبوعين ، لا مستحيل مع الأجتهاد !أحبكِ رُبما غاب جسدكِ ولكن تجسدت تعاليمك فيني أصبحت أقف في المنصات حتى أساعد غيري مثلما كنتِ منارةً لي
أشارككم بعضاً من قصتي حتى لا يغريكم الأستسلام ، حتى لا تتركوا العثرات تضمكم دون النهوض ، حتى تصمدوا أمام كل من يحاول تحطيم أحلامكم ، حتى تعلموا أن السعادة والنجاح لا يشترطان الرخاء والراحة بل قد ترتبطان بالدموع والألم ولكن لا مستحيل مع الصبر والمثابرة وبعضاً من الأمل !
أنا ممتنه لكل ما مررت به لأنني أصبحت من أكون ، وعلاقتي مع أبي جيدة خلال هذه المرحلة من حياتي ، ولكن حين تُقرأ قصتي على أنها عقوق ، ويُبرر أي عنف على أحلام الطفولة على أنه خوف ! هُنا أقول أسوأ من التعنيف تبريره ! وهدف هذه القصة زرع الرغبة في مواصلة الحياة رغم ظروف البيئة المُنهكة!
ممتنة لكل شيء لأنني أستطعت الخروج منه بهذه الصورة ،قادرة على زرع المواجهة في قلوب من حولي قادرة على أن أترك أمل لتخطي الظروف وكسر القيود ،لولا كل ذلك لما أصبحت من أكون ولكن رغم هذا لن أُبرر أي خدش للطفولة وممارسة الوالدين القوة فقط لأنهم سبب ولادة أبناءهم !
ملاحظة أنا عضوه في لجنة حماية الطفل اللاحقة بشكل رسمي التابعة لوزارة الداخلية وضعت حتى تتابع سير قانون الطفل وتحقيق رؤية رئيس الدولة طول الله في عمره وشيوخ الأمارات من أجل تحقيق الأمن والأستقرار للأبناء لمعرفة المزيد هذا الخبر صحفي وتجدون صورتي في الخبر !