ثـريـد:
#نيتشه كيف تصنع عبقرياً..؟

كيف يربي المرء نفسه في هذا العصر؟ كيف ينتشل نفسه من القلق المصاحب لانعدام المعنى؟ أين هو الفيلسوف الذي نتّخذه مربياً على هذا الأساس؟
كانت هذه الأسئلة من أبرز ما شغل #نيتشه فيما يخصّ التربية بتنوّعاتها. وعثر نيتشه على الإجابه. https://twitter.com/Eric_Shafei/status/1309180104011067392
كتب نيتشه نصه "شوبنهار مربياً" قبل قرن ونصف من الزمان، كجزء رابع من كتابه [تأملات خارج الزمن]. وعلى عكس ما يوحي به العنوان لم يتطرق نيتشه لأفكار شوبنهاور بالتحديد كمادة تربوية؛
إنما اتخذه مثالاً طرح من خلاله أفكاره الخاصة التي شكلت الأساس الذي بنى عليه طريقه الفلسلفي وأعماله المتأخرة، على الرغم من افتراق نيتشه عن شوبنهاور في منحاه الفكري والفلسفي في قضايا مثل الأخلاق والعدمية والتشاؤم..إلا أنه ظل محتفظا باحترامه لشوبنهاور وظل معتزاً بالنص الذي كتبه عنه.
يكتب نيتشه كتابه #شوبنهاور_مربياً
في هذا الكتاب لا يرى بُدًا من مواجهة الذات، أو بالأحرى البحث عنها، من خلال عملية تربوية تبدأ من التوقف والنظر إلى الخلف أو إلى الأعلى، إلى تلك الأشياء البسيطة والمواقف الفائتة التي تجعل منك أنت {كما أنت}.
الأمر ليس بهذه البساطة، إنها مهمة أقسى وأكثر صعوبة مما تبدو عليه، فمواجهة ضجيج العالم ومعتقدات العصر لا تتم إلا باتخاذ الفيلسوف المربّي الذي يكون قد حقق في ذاته المثال الذي ترتجيه لنفسك، ووصل إلى المرتبة التي يعكس فيها روح الطبيعة بلا مواربة أو تشويه كأنه مرآة صادقة.
بالنسبة لنيتشه كان شوبنهاور هو هذا الفيلسوف.
مكابدة التربية وكُلفة العبقرية

لم يعد عصرنا الحديث يفرق كثيراً بين التربية الحقة التي تسعى للإنسان والطبيعة وتربط بينهما، وبين التعليم المجرد الذي يسعى لصناعة نسخ مشابهة من البشر لا تخدم سوى الأغراض الضئيلة للعلم والمجتمع.
من المبادئ الأساسية المتعارف عليها للتربية هي إيجاد القدرة الخاصة للإنسان وتنميتها، وكذلك القدرة على تنمية الميزات العامة والثانوية بما يحقق الاتزان بين المركز الفردي والمحيط الجماعي للإنسان, كم نبدو بائسين-نحن أبناء هذا العصر،
يصعب علينا إيجاد من يفهم هذه المبادئ بين الأوساط

التي من المفترض عليها الاضطلاع بمهمة التربية في المدارس والجامعات، التي لم تعد تدرك أن صناعة الفيلسوف أو الفنان مهمة شديدة الصعوبة تحتاج وعياً بأهمية الحفاظ على الإنسانية في داخل الفرد، بعيداً عن الإخلاص الطائش للعلم.
لم يعد في مقدورنا في هذا العصر إنتاج قيمنا الأخلاقية وصقلها بسبب غياب التربية الإنسانية وتغول العلم بتجريده وعمومياته، أصبحنا مجرد مستهلكين للرصيد الأخلاقي الذي كونه أسلافنا، فالفضيلة الآن كلمة بلا معنى يضحك المرء منها..
مثّل شوبنهاور بالنسبة لنيتشه الإجابة على أمنيته في أن يجد المربي الفيلسوف الذي يكون الإجابة على سؤال {كيف يربي المرء نفسه في هذا العصر، كيف ينتشل نفسه من القلق المصاحب لانعدام المعنى؟}.
أهم ما يميز شوبنهاور كمثال على المربّي هو الصدق الشديد التي تلمسه حتى في لغته التي تخلو من أي تصنع بلاغي يواري الحقيقة التي يخشى منها الجميع، هذا الصدق الذي حكم عليه أن يعيش منعزلاً عن الأوساط الثقافية والعلمية والذي منعه من إيجاد القبول الذي يستحقه في عصره.
كان شوبنهاور على مسافة كافية من الجميع مكنته من التطلع إلى الأعلى، من اختراق حجب عصره الفاسد والنظر في وجه الطبيعة وفهم غاياتها وهو في موقعه ذاك.
استطاع أيضا أن ينظر إلى الأسفل، إلى المجتمع المريض والمتشظي، واستطاع أن ينقده ويهاجمه ويكشف حقيقته، لكن هذا الموقع..
لم يكن بلا ثمن فقد كان عليه أن يحارب لأجل أن يقرأ، ولأجل أن يلقى القبول، كان عليه أن يصارع الانجراف وأن يعتاد الوحدة والقلق، كان عليه كرفاقه من العباقرة مثل «غوته» و«بيتهوفن» و«فاغنر»، أن يخرج من المعركة مصاباً متألماً، وهذا ما يجعله مثالا مربيا حقيقيا ووحيدا في نظر «نيتشه».
ليست الغاية النهائية للمجتمع هو الدولة أو السعادة الجماعية أو تحقيق المصالح المشتركة..
كل هذه العبارات هي شعارات يغطي بها العصر وجهه القبيح, فلا أغبى من أن يسعى الإنسان لأن يكون مواطناً صالحاً أو موظفاً مرموقاً أو باحثاً جديراً.
الغاية النهائية للمجتمع يجب أن تحقق الإرادة العليا للطبيعة وهي {صناعة العبقري}، هذا العبقري الذي يحقق للطبيعة بحثها عن المعنى وشغفها نحو الكمال، هو المرآة التي تعي من خلالها ذاتها فترى جمالها وقبحها، تلتف على نفسها حيث يكمن ذروة معناها في انعدامه فترتد إلى محاولة صنع عبقري جديد.
المجتمع الحديث بسبب عدم وعيه بأهداف الطبيعة، ومحاولته عرقلتها بأهدافه المزيفة، فهو يضع العقبات الواحدة تلو الأخرى في مواجهة العبقري ويسعى لوأده قبل أن يولد.
أول هذا العقبات التي تواجه الثقافة هي {جشع رأس المال}: يحتاج رأس المال دائما لدعم الثقافة من باب رد الجميل، وفي نفس الوقت يتمنى لو يحدد أطرها وأهدافها.
غايته من دعم الثقافة هي إنتاج [الإنسان المتسوق]
طبقا للأسطورة التي تقول إن تعليما ومعرفة أفضل تعني حاجات جديدة وإنتاجاً أكثر وأموالاً أكثر, إن على الإنسان أن يزداد علما ومعرفة فقط ليحصل السعادة والأموال لهذا ينظر شذراً للثقافة التي تتجاوز أهدافها جمع الأموال وتحقيق السعادة ويفرض عليها العزلة.
لا يمثل كانط بالنسبة لنيتشه فيلسوفاً حقيقاً إنه على أحسن تقدير مفكر عظيم ساعدته موهبته الفطرية في اكتساب هذه المكانة، فكانت على خلاف تصور نيتشه عن الفيلسوف؛ كان ملتزماً إلى أقصى مدى بالجامعة وبقاعات المحاضرات وبالدولة، ناهيك عن الارتداد الأخلاقي..
على خلاف ذلك، كان شوبنهاور [حرا تماما]، وهي الميزة الجوهرية التي يجب أن يتوفر عليها الفيلسوف الحقيقي. كان شوبنهاور حراً من الجامعة ومن كسب لقمة العيش بفضل والده، وحراً من حدود القومية ونزعاتها، وتلقى تعليما متنوعا في فرنسا وإيطاليا،
وساعده سفره الدائم على اكتساب آفاق جديدة، مكَّنته من نقد ومهاجمة روح عصره الفاسدة.

وبالنسبة له فرجولة أبيه الصارمة وسفره المتعدد الذي علمه أن لا يحترم الكتب بل البشر، وأن لا يقر الحكومات بل الحقيقة، هي التي أنقذته من شخصية أمه المغرورة والمدعية ثقافياً،
كان يعتبر أن هدف الدولة الوحيد هو توفير الحماية لمواطنيها، ولم يعتبر نفسه محظوظاً بشكل معين لأنه ولد في مكان معين، ميزته العظيمة أنه لم يتم تربيته ليكون باحثاً بل عمل على مضض بعض الوقت في مكتب تاجر وتنفس على أية حال خلال شبابه الهواء الحر لبيت تجاري كبير.
You can follow @Eric_Shafei.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled: