في كتاب Sapiens للكاتب يوڤال هراري، ذكر يوڤال نقطة عظيمة عن تاريخ تأسيس الشركات اللي نعرفها اليوم وكيف اختلفت عن الشركات (المرتبطة بالبشر) قبل مئات السنين.. حيث كانت خسارة الشركة آنذاك كالكارثة على صاحبها.

ويأخذ مثال شركة Peugeot الفرنسية للسيارات لشرح نقطته:
توظف بيجو اليوم 200 ألف شخص و لها إيرادات 55€ مليار سنويا، كما تملك مصانع عديدة حول العالم.

لكن.. ما هي شركة "بيجو" فعليا؟

لو تم تدمير جميع سيارات بيجو حول العالم اليوم، ستبقى بيجو كشركة قائمة وموجودة وستنتج سيارات جديدة.

تملك بيجو مصانع، معدات، وموظفين.
لكن هؤلاء ليسو بيجو..
لو حدثت كارثة و قُتل جميع موظفين بيجو حول العالم وتدمرت مصانع الشركة كلها، بيجو لن تموت لأنها ستطلب دين، تعيّن موظفين، تفتح مصانع جديدة وتعود للعمل.

إذا شركة بيجو ليست الموظفين، ولا السيارات، ولا المصانع، ولا حتى ملّاك الأسهم.

لو رحلو جميعهم ستبقى الشركة قائمة..
هل هذا يعني أن بيجو غير قابلة للتدمير وستبقى خالدة للأبد؟

لا.

إذا حكمت المحكمة أن يتم تسييل بيجو، ستذهب المصانع لشركة أخرى، وسيبدء موظفو بيجو بالإنتقال لشركات أخرى.. وستُمحى بيجو من الوجود لحظة توقيع القرار.

نستنتج من الكلام أن بيجو ليست شيء ملموس/واقعي.

هل بيجو موجودة فعلا؟
يقول يوڤال، بيجو في مخيلتنا فقط.. أو كما يسميها المحامون "خيال قانوني".

لا تستطيع الإشارة لها لأنها ليست شيء ملموس، لكنها موجودة قانونيا على الورق.

تلتزم بقوانين الدولة، لها حساب بنكي، تدفع ضرائب، تملك عقارات.. وتستطيع أن ترفع عليها قضية.. لكن القضية لن تلاحق موظفيها/ملّاكها
بالتالي هي شركة مسؤولية محدودة موجودة قانونيا على الورق و تعيش في عقول البشر..

هذا الشيء يدفع ٢٠٠ ألف شخص غريب لا يعرفون بعض بالعمل كتفا بكتف لإنتاج ١.٥ مليون سيارة سنويا.. و كذلك لجميع شركات المسؤولية المحدودة.

السؤال: كيف آمن البشر قديما بوجود شركة في عقولهم وعلى الورق فقط؟
كانت الشركات قبل مئات السنين عبارة عن أشخاص.. الشخص هو الشركة.. إذا ذهبت لميكانيكي لإصلاح سيارتك وعطّلها أكثر بلا قصد، تستطيع مقاضاته لكل ما يملك حتى تسترد حقك منه وإن باع بيته

بالتالي اللي حصل أن الناس صاروا يمتنعون عن أخذ المخاطر وتأسيس شركات لأن العواقب ممكن تكون وخيمة
لتحفيز الناس لأخذ مخاطر و فتح شركات و دفع عجلة التنمية، تقرر تأسيس شركات "ذات مسؤولية محدودة"

بالتالي في حال أخطأت الشركة بحق العميل، تستطيع مقاضاتها هي فقط بدون أن تطال المسؤولية أملاك صاحب الشركة.
كما يذكر يوڤال أن كلمة corporation تعود إلى كلمة corpus التي تعني "جسم" باللاتينية.. والطريف هو أن هذا الشيء الذي لم ولن تملكه شركات اليوم فهي موجودة على الورق و في الاذهان.. و اذا اختفت من الورق و الاذهان، اختفت من الوجود.
You can follow @HamadAlMajidi.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled: