أسطورة آدابا
هي أسطورة سومرية مغرقة في القدم ،
و ربما تعود في أصولها إلى مرحلة ما قبل الكتابة ، رغم أن نصها المكتوب قد جاءنا من العصر البابلي الا انها احداثها قد تعود الى ما قبل القرن ( 18 _17 ) قبل الميلاد .
تجري أحداث الأسطورة في مدينة إريدو التي كانت أهم مركز من مراكز فترة العبيد السابقة على الحضارة السومرية، و مقر عبادة الإله أنكي إله الماء و الحكمة ، و المعبود الأول لتلك الحضارة الرائدة في جنوب وادي الرافدين .
تمَّ تجميع هذا النص من كسرتي رقيمين ، عُثر على الأولى منهما في موقع تل العمارنة بمصر العليا ، و هو على ما يبدو كان مستعملاً في تدريب الكتبة المصريين على اللغة و الخط الأكاديين . أما الكسرة الثانية فقد عثر عليها في مكتبة آشور بانيبال بموقع مدينة نينوى الآشورية
هو نص قصير بشكل عام ، و ربما لم يتجاوز عدد سطوره المئة و العشرين .
البطل الرئيسي في هذا النص هو آدابا ، الأول بين الحكماء السبعة الذين حكموا قبل الطوفان الكبير ، و هم الذين علموا البشر و أرسوا مبادئ التحضير الانساني برعاية الاله (انكي) اله الحكمة والاعماق المائية العذبة .
و يبدو من سياق القصة أن آدابا لم يكن أول الحكماء فقط ، بل كان الإنسان الأول كذلك . و قد صنعه الإله إيا ليقوم على خدمة معبده في أول مدينة تظهر في وادي الرافدين هي مدينة إيريدو ، التي كانت تقع على شاطئ نهر الفرات عند مصبه على الخليج العربي
فكان آدابا أول إنسان و أول كاهن يحفظ شعائر الآلهة و يعمل على خدمتها. و قد ورد الاسم آدابا في المصادر البابلية و الآشورية أيضاً بصيغته « أوان »، و هو الاسم الذي استخدمه المؤرخ البابلي بيروسوس الذي كتب في العصر اليوناني عن تاريخ البابليين ، فدعاه « أوانيس ».
تروي القصة كيف أن آدابا كان يرعى شعائر الإله إنكي كل يوم فيخبز الخبز و يصطاد السمك لتقديمه قرباناً على المذبح . و في أحد الأيام و بينما كان مبحراً في عرض البحر هبت ريح الجنوب فأغرقت مركبه ، فنطق آدابا ضدها بلعنة كسرت جناحها فأقلعت عن الهبوب
بعد سبعة أيام ينتبه الآلهة إلى ما حصل و يعرف كبيرهم آنو أن آدابا هو المسبب فيأمر بمثوله بين يديه. قبل صعوده إلى السماء يعطيه إيا توجيهات تساعده في الدخول على آنو. لقد عرف إيا ببصيرته النافذة أن آنو سوف يهبه الخلود بعد إطلاعه على أسرار السماء و يجعله مثل الالهة
ولسبب غيرواضح لم يكن إيا راغباً في ذلك ، فأعطاه تعليمات بوجوب عدم أكل الخبز الذي يُقدم له في السماء ، و عدم شرب الشراب. و كان ذلك الخبز و ذلك الشراب هما خبز و شراب الحياة الأبدية ، فخسر آدابا الخلود و عاد صفر اليدين إلى الأرض لتعاني ذريته الآلام و الأمراض و الموت .
كسرة الرقيم الأولى:
[عدة أسطر في البداية]
لقد أعطاه إيا كل الحكمة ليفسر مشيئة الآلهة ،
أعطاه الحكمة و لكنه لم يمنحه الحياة الأبدية.
في تلك الأزمان ، في تلك السنين ، كان حكيماً و ابناً لإيريدو ؛
خلقه ليكون روحاً حافظاً بين بني البشر .
حكيماً كان ، و أمره لا يعارضه أحد .
ذكياو فائق الحكم كواحد من الأنوناكي ؛
نقياً ، طاهر اليدين ، قيماً على المعبد و على الشعائر الدينية.
كان يصنع الخبز مع الخبازين ،
كان يصنع الخبز مع خبازي إريدو ،
و يقدم الطعام و الماء كل يوم لإيريدو ،
و بيديه الطاهرتين يُعد المائدة المقدسة ؛
كان يُشرع مركبه و يصطاد السمك لإيريدو
في تلك الأزمان ، آدابا الإيريدي ابن إيا ،
و في وقت الهجوع إلى السرير ، كان يؤوب بوابة المدينة،
و رسي مركبه على الرصيف المتألق ، رصيف القمر الجديد.
و ذات مرة هبت الريح و دفعت بمركبه بعيداً ،
فراح يقود مركبه بمجذافيه ،
.. في البحر الواسع .
[فجوة في النص لا نعرف عدد أسطرها]
كسرة الرقيم الثانية :
هبت ريح الجنوب فأغرقته و دفعت به إلى عالم إيا
يا ريح الجنوب
إني سوف أكسر لك جناحك.
و ما أن نطق فمه بذلك حتى كُسرت جناح الريح .
و لمدة سبعة أيام لم تهب ريح الجنوب على الأرض ،
فاستدعى آنو وزيره إيلابرات قائلاً :
« لماذا لم تهب ريح الجنوب على الأرض لسبعة أيام؟
فأجابه وزيره إيلابرات :
« لقد كسر آدابا بن إيا جناح ريح الجنوب ».
لسماعه هذا الكلام ، صاح آنو « العَون » ؛
نهض عن عرشه و قال : « ليأتوا به إليّ ».
و هنا , إيا المطلع على مجريات السماء ، وضع يده عليه ،
جعل آدابا يحل شعره و يطلقه مشعثاً
وألبسه ثياب الحداد ، و أعطاه تعليماته :
« آدابا ، يجب عليك أن تمضي إلى آنو الملك .
سوف تسلك طريق السماء .
و عندما تصعد إلى السماء ، و تقترب من بوابة آنو ،
سوف تجد تموز و جيزيدا واقفين على بوابة آنو ،
و عندما يريانك سوف يسألانك :
أيها الرجل ، لأجل من تبدو في هذه الهيئة ؟
من أجل من ترتدي ثياب الحداد ؟
فقل لهما : لقد غاب عن الأرض إلهان ، و لهذا أبدو في هذه الهيئة.
و سيسألانك : و من هما هذان الإلهان اللذان غابا من الأرض؟
فقل لهما : إنهما تموز و جيزيدا .
عندها سينظران إلى بعضهما
يضحكان ، و يتحدثان في صالحك أمام آنو ،
و سوف يسمحان لك أن ترى طلعة آنو البهية .
و عندما تقف في حضرة آنو ،
سوف يُقدم لك طعام الموت فلا تقبله ،
و سوف يُقدم لك شراب الموت فلا تشربه ،
سوف يعطونك عباءة فالبسها ،
ويُقدم لك زيت فادهن به نفسك .
هذه وصاياي فاعمل بها ، و كلماتي التي أقول فاحفظها ».
ثم وصل مبعوث آنو و قال: « أرسلوا لي آدابا الذي كسر جناح الريح ».
فأسلمه إيا طريق السماء ، و ارتقى آدابا نحو السماء .
و عندما وصل إلى السماء اقترب من بوابة آنو ،
كان تموز و جيزيدا يقفان على بوابة آنو ،
فلما أبصراه صاحا : العون
العون أيها الرجل مِنْ أجل مَن تبدو في هذه الهيئة
و من أجل من ترتدي ثياب الحزن ؟
« لقد غاب عن الأرض إلهان ، و لهذا أرتدي ثياب الحزن
« و من هما الإلهان اللذان غابا عن الأرض ؟
« إنهما تموز و جيزيدا ». فنظرا إلى بعضهما و ضحكا .
و عندما اقترب آدابا من حضرة آنو الملك ، ناداه قائلاً « اقترب مني يا آدابا ، لماذا كسرت جناح ريح الجنوب ؟
فأجابه آدابا : « سيدي ، كنت أصطاد السمك في عرض البحر
لبيت سيدي إيا ، و كان البحر هادئاً كأنه المرآة.
و لكن رياح الجنوب هبت فأغرقتني ، و دفعت بي إلى عالم إيا .
وفي ثورة غضبي لعنت ريح الجنوب ».
تموز و جيزيدا وقفا إلى جانب آدابا ،
و قالا لآنو كلمات في صالح آدابا ،
فهدأت خواطر آنو ، و لبث ساكناً ، ثم قال :
« لماذا كشف إيا لإنسان غير مقدس مكنونات السماء و الأرض ؟
لقد جعله قوياً ، و أقام له اسماً ، حتى فعل ذلك .
فما الذي سنفعل به الآن ؟
أحضِروا له خبز الحياة ليأكل منه » ، فلم يقربه !
ثم أحضروا له شراب الحياة ، فلم يشرب منه !
و بعدها جلبوا له عباءة فلبسها ،
و جلبوا له زيتاً فدهن به نفسه.
فنظر إليه آنو و ضحك منه :
« اقترب مني يا آدابا . لماذا لم تأكل و لم تشرب ؟
ألا تود الحصول على الخلود ؟ و احسرتاه على البشر التعساء
« لقد أمرني سيدي إيا ألا آكل و ألا أشرب »
« خذوه و أعيدوه إلى الأرض »
يلي ذلك كسر حتى نهاية اللوح لا نعرف عدد أسطره ، و معه تنتهي القصة.
و لدينا من الأسطورة نفسها نسخة ثانية عُثر على كسرتين منها في مكتبة الملك آشور بانيبال.
في الكسرة الأولى هنالك 18 سطراً يتكرر فيها ما رأيناه من تعليمات إيا لآدابا قبل صعوده إلى السماء . أما الكسرة الثانية فتتألف من 21 سطراً تعطينا مزيداً من الإيضاح عن نهاية القصة و هدفها . فلقد اعترف آنو بكهنوت آدابا ، و كرسه كاهناً حتى نهاية الأيام في إيريدو ،
التي أعطيت مزايا خاصة بين المدن . أما الأمراض و العلل التي ستنتاب البشر نتيجة خطأ آدابا ، فستكون قابلة للشفاء من قبل إلهة الشفاء المدعوة نن كاراك . و هذا ما يجعل النص بمثابة تعويذة تتلى لشفاء الأمراض ، و ذلك بتلاوة أصل المرض الذي جاء إلى الأرض عندما رفض آدابا الخلود
مصادر /

الاساطير السومرية - صموئيل كريمر

ابحاث في تاريخ الشرق الادنى - د.اسامة عدنان
You can follow @zozaknany.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled: