لفهم وحشية الشرطة الامريكية والتفاوت العنصري في العدالة الجنائية منذ إطلاق النار على جيمس باول،عام 1964 الي مقتل جورج فلويد اليوم يجب العودة إلى الجذور التاريخية لاضطهاد السود، ثم عن النضال الذي خاضوه من 1950 - 1960، وأخيرا عن كيف تدهور وضعهم من جديد خلال الأربعين سنة الماضية.
كتب ماركس "إن العبودية المباشرة هي محور الصناعة البرجوازية كما الآلات والقروض، الخ. فمن دون العبودية لا يوجد قطن، وبدون القطن لا توجد هناك صناعة حديثة". فكان لترحيل الأفارقة إلى الأمريكيتين هدفا اقتصاديا ألا وهو تكوين قوة عمل رخيصة
ذلك لأن القوة العاملة المكونة من البيض والمستخدمة على نطاق واسع في بداية الاستيطان كانت أكثر تكلفة وأقل وفرة. في منطقة البحر الكاريبي، أعادت الرأسمالية ـ لحد ما ـ اكتشاف العبودية، وذلك بدءا من القرن السادس عشر، في مزارع قصب السكر حالتي أصبحت البقرة الحلوب للبرجوازية الأوروبية.
وفي أمريكا الشمالية تم احلال الاستغلال ذاته مع التبغ والقطن وكان هدفه إثراء البرجوازية البريطانية بشكل خاص. فإن ما بدأ في الإطار الاستيطاني في القرن ال17 استمر ابتداء من السنوات 1780 في الولايات المتحدة، المستقلة سياسيا، ولكن حيث كانت المصالح البريطانية لاتزال حاضرة في الجنوب.
إنه هذا التراكم البدائي لرأس المال، الذي تحقق بفضل تجارة الرقيق والسكر والقطن عبر الأطلسي، ما مكن البرجوازية من تحقيق ثرائها الفاحش.

كانت عبودية الجنوب نظاما اقتصاديا ضمن اللاستغلال الرأسمالي، وذلك لأن الملاك الزراعيين كانوا ينتجون لصالح السوق العالمية التي كانت في طور النشوء.
" ففي نفس الوقت الذي كرست فيه صناعة القطن استعباد الأطفال في بريطانيا"، يشير ماركس في "رأس المال"، "فإنها كانت تحول معاملة السود البطريركية ـ لحد ما ـ إلى نظام استغلال تجاري في الولايات المتحدة... إن رأس المال [قد جاء إلى العالم] وهو يتعرق الدم والطين من كل المسامات".
كان السود الأمريكيون أساس التنمية الاقتصادية للولايات المتحدة، وكان معظمهم يعيش في الجنوب وقد شكلوا الأغلبية في بعض الولايات. وشكلت بضعة ألاف من العائلات البيضاء برجوازية الملاك الزراعيين. وبالتالي فإن غالبية البيض من غير البرجوازيين لم يكن لديها مصلحة مباشرة في استغلال السود.
لكن الملاك الزراعيين كانوا يحرضون فقراء البيض ضد السود، بهدف تمكين هيمنتهم عليهم.
كان فريدريك دوغلاس، يؤكد : "في كثير من الأحيان،دعاة العبودية يروجون لفكرة أن تحرير العبيد ينحو لوضع العامل الأبيض بمساواة الزنجي، محفزين بذلك الاحساس بالاعتزاز لدى الرجل الأبيض فمكنهم هذا الأسلوب من جعل البيض الفقراء ينسون أنهم بنظر مالك العبيد على بعد خطوة يصبحوا نظراء للعبيد"
وحتى في الشمال كان العمال البيض يعارضون إلغاء العبودية وذلك لأنهم كانوا يخشون من أن يؤدي دخول السود المحررين سوق العمل إلى خفض أجورهم.
منذ حرب الاستقلال عام 1776، كانت البرجوازية متكيفة تماما مع العبودية السائدة في الجنوب وذلك لأنها كانت مكملة نوعا ما للاقتصاد ألرأسمالي القائم على العمل المأجور في الشمال.
حتى أنهم تمكنوا من إبتكار حل وسط مشين لكيفية تمثيل مالكي العبيد في الجنوب داخل المؤسسات الفيديرالية : فقد أخذ في الاعتبار عدد العبيد في كل ولاية، وبقدر ثلاثة أخماسهم فقط.
ولكن الصراعات بين الشمال والجنوب قد تصاعدت في منتصف القرن التاسع عشر. فمن جهة كانت فكرة إلغاء العبودية تتزايد في الحلقات الليبرالية في الشمال. ومع أن السلطة السياسية لولايات الجنوب كانت راسخة على المسوى الفيديرالي إلا أن الملاك الزراعيين كانوا بحاجة لمساحات جديدة صالحة للزراعة،
فكانوا يشعرون بالقلق إزاء وضع الاراضي الجديدة المستوطنة في الغرب : هل سوف تكون أراض "حرة" أم استعبادية ؟ كما كان الصراع اقتصاديا أيضا : كان القطن ينتج في الجنوب لكن النصيب الأكبر من الأرباح كان يعود إلى الرأسماليين في الشمال، من خلال أنشطة النقل والتخزين والصناعة.
كانت برجوازية الشمال في تنافس مع البرجوازية البريطانية التي كان الملاك الزراعيين في الجنوب مرتبطين بها.
إن هذا الصراع ما كان خلف اندلاع الحرب الأهلية، أكثر من مشيئة تحرير العبيد، كان ذلك أيضا استمرارا للحرب بين الولايات المتحدة من جهة، ممثلة ببرجوازية الشمال، وبين بريطانيا العظمى المرتبطة بالملاك الزارعيين في الجنوب.
وفتكت هذه الحرب بالبلاد من عام 1861 إلى عام 1865، مخلفة، ففي بلد تعداده 30 مليون نسمة، 600.000 قتيل. وابراهام لينكولن، عندما انتخب في عام 1860، لم يعد بإلغاء العبودية، ولكنه كان معارضا لتوسع العبودية إلى غرب الولايات المتحدة، وبالتالي فإن انتخابه كان يهدد التوازن الفيديرالي.
لهذا السبب انفصلت 11 ولاية جنوبية عن الاتحاد الفيديرالي. فجاءت الحرب بهدف الحفاظ على الاتحاد وليس لإلغاء العبودية.
وللتمكن من الفوز بالحرب التي كانت نتيجتها متأرجحة، ذهب لينكولن إلى حد بإلغاء العبودية في الولايات الانفصالية في العام 1863، مقوضا بذلك اقتصاد الجنوب مع انضمام 200.000 من العبيد إلى جيش الاتحاد ورحيل 300.000 آخرين إلى الشمال.
You can follow @nyeusi_waasi.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled: