واحدة من الأمثلة العظيمة على الخلط بين (الدينيّ) و (المجُتمعيّ) والانحراف عن التشريع هي مسألة: الحُكم على الآخرين. ومركزية الأفعال الصريحة في الشريعة وحساسية النوايا.

أذكر في هذا ثلاث أمثلة عملية من السيرة:

- النفاق والمنافقين
- أسامة وتبرير الخوف
- السيئة لا تلغي حسن المرء
تعامل الرسول مع المنافقين تعامل عظيم ومركزيّ جدًّا لفهم الشريعة والمجتمع.

أولًا: كان الرسول على علم بأسماء المنافقين عن طريق الوحي.
ثانيًا: لم يحاسبهم على ما يعلم، لم يأمر بعاقبهم مع أنّه يعرفهم قطعًا.
الدروس هنا عديدة:

- تعليم للمجتمع أنّه على الدوام سيكون هناك نفاق اجتماعي/سياسي.

- عدم الاعتماد على الحلول الاستثنائية (المعجزة/الوحي) في حل مشاكل واقعية، لكي تكون تجربة قابلة للتطبيق لباقي المجتمعات لاحقًا.

- حتّى لو علمتوهم بالشخص، لا يحقّ لكم اتّهامهم لو لم يقوموا بفعل صريح
الإمام الشاطبي، صاحب الموافقات، من أهم كتب أصول الشريعة، يقول:

إن أصل الحكم بالظاهر مقطوعٌ به في الأحكام خصوصًا، وبالنسبة إلى (الاعتقاد في الغير) عمومًا.

أيّ أنّك لا يمكن أن تحاسب أيّ امرئ على نيّته أو ما يضمر حتّى لو تبيّن لك، لأنّ أصل تعاملك معه، مبني على ما يظهره لا ما يخفيه
لكن ما يحدث مجتمعيًا اليوم هو العكس تمامًا، حمل الناس على نواياهم بل واتهامهم بها.

لذلك حتّى لو قال فلانًا عبارة صريحة، بعيدة عن التهمة
يُقال له: شو قصدك؟ لشو بتلمّح؟ لا إنتَ قصدك هيك؟

وهذا سبب محوري لكلّ مشاكل التواصل الشخصي والمجتمعي.
التعامل مع الآخرين في الشريعة يتحدّد بمراحل مُرتّبة، إنّ الله يأمر بالعدل، والإحسان.

- أوّل دائرة علاقات لكَ مع البشرية إجبارية هي [العدل] أن تعطيهم ما لهم من حقوق، وتقوم بما لكَ عليه من واجبات.

- اختيارية، هي [الإحسان] في أن تُعطي فوق ما يتوجّب عليك، أو تتنازل عمّا يحقّ لك.
أسامة بن زيد في الغزوة التي لحق فيها برجَل، وقال له خوفًا: لا إله إلّا الله، ثمّ قتله، ولمّا سأله الرسول عنه، قال له: لقد قالها خوفًا، فأخبره: أفلا شققت على قلبه؟

بالطبع يفهم الرسول أنّه قالها خوفًا، لكنّه تعليم للنّاس أنك لا تحمل الناس على ما تعلمه منهم، وإنّما على يظهر منهم.
ثالثًا، في التأكيد على أنّ خيرية الناس قد تبقى وإن أساؤوا الفعل.

مثلًا كان من الصحابة من يشرب الخمر، أبو محجن الثقفي والنُعيمان

النعيمان بالمناسبة كان يُضحك النبي كثيرا، وحينما لعنه أحد الصحابة ذات مرّة بعد حدّ الخمر، انتصر له الرسول: لا تلعنوه، ما علمت إلّا أنه يحب الله ورسوله
أخيرًا، المعيار التفاضلي الوحيد بين الناس الذي وضعته الشريعة، هو التقوى.

لكن حتّى هذه التقوى، أخبر النبي أنّ محلّها القلب، أي لا يمكن لأحد أن يطلع عليها.

(لاحظ أن مكان التقوى القلب وليس مظهرك الخارجي وليس بكاؤك أو طريقة كلامك)

ثُم أخبر الله: فلا تزكّوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى
You can follow @MahmoudAdi.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled: