قضيت طفولتي باللعب، لم يكن والداي حريصين على وصلي بالعلم، كانا على الأخلاق والبهجة أحرص من أي شيء آخر.

اللعب كان منهجا لهما في هذه المرحلة، كان والدي - رحمه الله - يصارعني ويعاركني بجدية، ويركض معي، ويواثبني على السرير وكذلك أمي.
وكذلك جارتنا كانت على السمت نفسه من الملاعبة =
كانت تستقبلني قائلة: سلطان السلاطين، ثم تدخلني إلى بِرْكة الشقة، أعني الصالة .. ثم تدفعني إلى أولادها فنتعارك جميعا، وقد لخطتني مرة بالحناء على الملاعبة، ففرحت ولطختها فتعاونت مع أبنائها علي، كانت طيبة جدا.
لم يحرمني والدي ولا والدتي من أي حركة أردت تنفيذها.
ذات يوم، خلع والدي ثوبه أمام الناس غير مكترث؛ لأني ببساطة طلبت منه أن يلعب معي في البحر.
ومرة طلبت وهو بين أخوالي أن أدخل في ثوبه لأرى أخوالي من جيب ثوبه فرفع ثوبه مباشرة لأدخل، كنت مفتونا به، وكان يستوعب ذلك، فلم ينهرني لحظة.
كان يتفهم فضولي على الرغم من كونه أميا لا يقرأ ولا يكتب، يستوعبني كأنه من أطباء النفس. يعلم أني أحب أن أراه وهو يخلع ثوبه نهاية اليوم ليرتدي القميص؛ كان يعجبني أن أرى كتفيه العريضين، ساقيه المشدودين، هو لا يشبه أمي في بنيتها، ولذلك كان يتعمد أن يخلعه أمامي ليسد فضولي.
وقد كان -رحمه الله- أرق من ورقة A4، طلبنا منه أنا وأخواتي أن نذهب معه يوم إهراق دم الذبيحة، فلم يشأ أن يخبرنا أنه لا يطيق النظر إلى الخراف وهي تذبح، فحملنا معه إلى سوق الغنم ثم إلى المسلخة، وظل ينظر للعامل بجسد يقشعر من رؤية الذبيحة وهي تثغب دما، ثم لم يقدر على أكلها لاحقا.
صدقا، لا يفارقني الذهول لحظة حين أقرأ في كتب التربية وعلم النفس؛ أستعيد شريط حياتي فأتذكر صنائع والدي ووالدتي، كانا ملهمين بالفطرة دون كد ولا تعب، اللهم لك الحمد.

في يوم الجمعة مثلا، كان والدي يتعمد أن يدفعني بعد الصلاة إلى سيارة الدتسن التي تبيع الخضار؛ حتى أكون من يشتري =
فإذا عدنا للبيت قال لأمي: سلطان من اشترى، فتستقبلني أمي استقبال الأبطال، كأنما عدت من معركة اليرموك، فأفرح ثم أخبرها عن انتصاراتي لحظة الشراء، وماذا فعلت لأتحقق من سلامة الخضار، وهي تستمع بحماسة دون أن تشيح بوجهها.
كان والداي عظيمين بالفطرة، فيهما من أنوار النبوة، ولا أبالغ والله.

والآن اعذروني على تسريح لساني وتطليق بناني؛ فقد رأيت امرأة تلاعب ابنتها بجنون وحماسة فاستعدت الذكريات سريعا، وأنا رجل رقيق تصرعه الذكريات الجميلة.

ذكرت أبي فعاودني
صداع الرأس والوصبِ
You can follow @sultanmahyoub.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled: