قد يبدوا أن الحديث عن حالة الاستثناء فيه شيءٌ من المبالغة والتهويل، لكن التحذيرات التي يكتبها مفكرون ومثقفون عن إمكانية تمدد حالة الاستثناء إلى مابعد الأزمة أرى أنها واقعية، وواقعية جداً.
يتبع
يتبع
من يقرأ في نظرية الدولة مثلاً يعلم أن بنية الدولة الحديثة قائمة أساساً على مفاهيم الحكم المطلق. لكن مع الزمن تمّ عقلنة هذه المفاهيم بإضفاء الطابع القانوني العقلاني عليها؛ بحيث لم يعد خروج الدولة عن القانون سببه مزاج الحاكم المطلق، بل أصبح من اجل حالة الحرب التي تخوضها الأمة، ..
أو من أجل حماية المصلحة العامة، أو من أجل الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية مثلاً (ولاحظوا أنها كلها مصطلحات فضفاضة) والآن يجري الحديث عن حالة الطوارئ من أجل الحفاظ على الصحة العامة.
وهنا تكمن عبقرية التنظيم القانوني الحديث؛ وهو أن الخروج عن القانون وخرقه، بل وفي أحيان كثيرة انتهاكه لا يسمى كذلك ابداً. بل يسمى "حالة الإستثناء" أو "حالة الطوارئ" "حالة الضرورة". إذن فحالة اللاقانون هذه تمّ تضمينها في البنية القانونية بحيث لا يمكن إلا أن نسميها قانوناً!
مثلما في السياسة ممارسة السلطة قد تستجلب ممارسة العنف! ومن هنا تفنن الفكر وأبدع مصطلح "العنف الشرعي" .. هذا يعني أن هناك عنف غير شرعي! وهو العنف الذي يمارس من غير أصحاب السيادة (الدولة).
نرجع لأصل الإشكال؛ لنفترض أن ثمة فعلاً حاجة حقيقية وملحة للخروج عن القانون للحفاظ على الأمة/المصلحة العامة/المكتسبات .. إلخ. السؤال الذي يطرح هنا؛ ما المشكلة في هذا؟ الاشكال هنا على مرحلتين: أشكال يتعلق بحالة الاستثناء. وإشكال بمرحلة ما بعد الاستثناء.
يتبع
يتبع
عندما يعلّق القانون وتعلن حالة الطوارئ-تحت أي ظرف- تعطى الدولة بأجهزتها التنفيذية صلاحيات واسعة جداً من أجل مواجهة الظروف الاستثنائية. وممارسات هذه الأجهزة تكون طبعاً غير خاضعة لا للرقابة ولا للمحاسبة.
يتبع
يتبع
في هذه الحالة تصبح حريات الأفراد وحقوقهم الأساسية معلقة، وتحت تهديد مستمر. وهنا لا نتحدث عن مجرد تضييق لحرية التنقل او التعبير أو ما شابه ذلك، نتحدث عن إمكانية انتهاكات جسيمة كالاعتقالات الاعتباطية والتصفيات الجسدية.
النقطة الأخرى وهي في غاية الأهمية، في فترة سريان حالة الاستثناء تصدر الأجهزة التنفيذية لوائح\ومراسيم استثنائية. الهدف المعلن من هذه اللوائح والمراسيم هو مجابهة الظروف الاستثنائية. لكن على حساب ماذا؟ .. (اترك لكم الجواب)
غالباً هذه اللوائح\المراسيم ستستمر معنا إلى ما بعد الظروف الاستثنائية. قد يجري عليها بعد التعديلات والتحسينات، لكن مضمونها سيقى سارياً إلى فترات طويلة من الزمن.
واضرب مثال مهم للتوضيح: بعد أحداث سبتمبر أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي قانون patriot act قانون مكافحة الإرهاب. أجاز هذا القانون للنائب العام التحفظ على أي اجنبي يشتبه به. كان من المفترض إما أن يرحل هذا الأجبني، أو أن توجه له اتهامات ويحاكم محاكمة عادلة. لكن ما الذي حدث؟
ظهرت لنا غوانتنامو، وزجّ بالعشرات في هذا المعتقل. اعتقالهم لم يكن لت بحكم القانون ولا بحكم القضاء، بل بحكم حالة الاستثناء وحالة الضرورة.
الشواهد التاريخية تقول بأن ما ستصدره السلطة في حالات الاستثناءات يستمر إلى ما بعد ذلك. وما يكون مجرد استثناء وطارئ في لحظات معينة يصبح هو القاعدة والأصل فيما بعد.
(هنا أحيلكم لكتاب أغامبين فقد رصد فيه حالات تاريخية ل٦ دول استمرت فيها قوانين الاستثناء (كقاعدة تأسيسية) لكن تحت مسميات وتبريرات مختلفة/ الحالة الألمانية أكثر ما لفتت انتباهي، كيف امكن للمشرع ان يجيز الخروج عن القانون باستخدام مصطلحات برّاقة. الفضل يعود "للفقيه الفاشي"كارل شميت)
أخيرا اختم بنبوءة فالتر بنيامين، حيث يقول:" لا تضحية تعلو على ديمقراطيتنا، بل إن التضحية المؤقتة بالدمقراطية نفسها هي أقل ما نقدمه"!
ترامب في المؤتمر الصحفي اليوم يقول ان صلاحياته كرئيس مطلقة.
الجدير بالذكر هنا، هو ان صلاحيات الرئيس الأمريكي تاريخياً توسعت بشكل كبير خلال أزمة الكساد العظيم ١٩٢٩. الرئيس-روزفلت-حينها اتخذ حزمة قرارات رئاسية اعتبرت بمثابة انقلاب دستوري "انقلاب بلا دماء".
https://twitter.com/atrupar/status/1249834932513505280?s=21">https://twitter.com/atrupar/s... https://twitter.com/atrupar/status/1249834932513505280">https://twitter.com/atrupar/s...
الجدير بالذكر هنا، هو ان صلاحيات الرئيس الأمريكي تاريخياً توسعت بشكل كبير خلال أزمة الكساد العظيم ١٩٢٩. الرئيس-روزفلت-حينها اتخذ حزمة قرارات رئاسية اعتبرت بمثابة انقلاب دستوري "انقلاب بلا دماء".
https://twitter.com/atrupar/status/1249834932513505280?s=21">https://twitter.com/atrupar/s... https://twitter.com/atrupar/status/1249834932513505280">https://twitter.com/atrupar/s...
شميت في تنظيره لمفهوم السيادة تدرج بشكل فطن جداً في استخدامه للمصطلحات:الديكتاتورية المفوضة-الديكتاتورية السيادية-حالة الاستثناء.
بمعنى آخر صيغ الحكم القديمة كانت تطرح نفسها أساساً كصيغ فوق القانون والإجماع، فتعلق القانون وتعمله وقتما تشاء وكيفما تشاء دون وجود مسوغ قانوني.
يتبع
بمعنى آخر صيغ الحكم القديمة كانت تطرح نفسها أساساً كصيغ فوق القانون والإجماع، فتعلق القانون وتعمله وقتما تشاء وكيفما تشاء دون وجود مسوغ قانوني.
يتبع
لكن في صيغ الحكم الحديثة البرلمانات (ويا للعجب) هي من تعلق القانون وتتخلى عن صلاحياتها لتعطيها للسلطة. https://twitter.com/ajabreaking/status/1252633520553500678">https://twitter.com/ajabreaki...
طبعاً رأيي إن اطلاق مصطلح حالة الاستثناء أو السلطات الاستثنائية وما شابها من مصطلحات هو مجرد اسراف في الشكليات ولا معنى له، لأن السلطة التنفيذية هي من بيدها القرار النهائي في كل الحالات.
لكن شميت يبدوا أنه من خلال كل هذا التنظير المعقد أراد الحفاظ على (الشرعية القانونية) وهي فكرة جوهرية عموماً في التنظير السياسي والقانوني. بمعنى أنه أراد الابقاء على الخط الفاصل الرفيع بين النظام والفوضى. لأن إذا زال الخط لن يبقى لمفهوم السيادة أي قيمة.