ترجع الحكاية إلى زمن الحرب العالمية الأولى، عندما أصدرت الدولة العثمانية أمرا بإرسال فخري باشا إلى الحجاز بحجة حماية الأراضي المقدسة، عندما شعرت ببدء اقتراب الانتفاضة العربية ضد الاحتلال التركي
وصل فخري باشا إلى المدينة المنورة عام 1916 وبقي حتى 1919. عام 1917 أمر جنوده بنقل أثمن محتويات الحجرة في المدينة المنورة، من ذهب ومصاحف نذكرها بالتفصيل في إحدى الحلقات المقبلة، من سلسلة تنشرها "إندبندنت عربية" عن نهب الحجرة النبوية مع وثائق أصلية تم جمعها وتعود لتلك الحقبة
نقلت المحتويات على متن قطار من #الحجاز إلى اسطنبول، وكانت هذه واحدة من جرائم فخري باشا بحق الحجاز وأهل المدينة الذين هجروا قسريا بناء على أوامره، ليهتم هو بعد ذلك بتسليح وتأمين الغذاء لجيشه، ولم يسمح لمن بقوا بمطالبته بجزء من المؤونة، وهي جريمة عرفت بـ "سفر برلك"
برر فخري باشا نقل المحتويات بأنه لحمايتها متعهدا بأن تعود لأصحابها بعد انتهاء الحرب. إلا أن الحقيقة أن نية الدولة العثمانية كانت إبقاء هذه المقتنيات في تركيا لكونها بحسب ما يعتبرون تعود للمسلمين جميعا ولا يجب أن ينحصر وجودها في الحجرة النبوية بالمدينة المنورة
أثناء توجه القطار في رحلته الأخيرة إلى #اسطنبول حاملا المنقولات توقف في دينة دمشق وفتحت الصناديق الموجودة بداخله وسرق قسم كبير منها، وتقول معلومات لا تتبناها "إندبندنت عربية" بأن بعض ما سُرق في ذلك الحين موجود في مكتبة الأسد بسوريا حاليا
تابع القطار طريقه محملا بأغلى وأثمن الأحجار النفيسة والمذهبات والمصاحف، حتى وصل إلى #تركيا حاملا منقولات فخري باشا والدولة العثمانية. وحتى اليوم ما زالت المقتنيات التي كانت على متنه أو القسم الذي لم ينهب أو يباع منها معروض في متاحف #اسطنبول
عام 1918 انتهت الحرب العالمية الأولى بهزيمة الدولة العثمانية وألمانيا وبعد مرور 4 سنوات تم في منتصفها توقيع معاهدة "سيفر" التي اعتبرها العثمانيون آنذاك مذلة، بدأت عام 1922 مفاوضات التوقيع على معاهدة لوزان استمرت لأشهر تخللها فترات تم تعليق الاجتماعات فيها
تفاصيل ووثائق هذه المعاهدة الموجودة في أرشيف الدولة الفرنسية، حصلت "إندبندنت عربية" على نسخة منها ستنشرها أيضا لاحقا، ولكننا سنكتفي اليوم بتقديم لمحة عامة عن المعاهدة وعرض الوثائق الرسمية البريطانية التي تحدثت عن رفض العثمانيين أكثر من مرة إعادة المقتنيات
تم توقيع معاهدة لوزان في 24 يوليو 1923 في لوزان بسويسرا بحضور مفوضين عن الإمبراطورية البريطانية وفرنسا وايطاليا واليابان واليونان ورومانيا وبلغاريا وروسيا ودولة السلوفينيين والكروات والصرب والجنرال عصمت باشا رئيس أول حكومة تركية بعد إعلانها جمهورية
وقع إحدى الوثائق التي تنشرها "إندبندت عربية" في30 يناير 1923 اللورد كورزون وهو الحاكم البريطاني للهند في الفترة الممتدة بين 1899 و1905، وأسس خلال هذه الفترة إقليم البنغال الشرقي وآسام، ثم تم تعيينه وزيرا للخارجية بين عامي 1919 و1924 (الفترة التي تمت خلالها توقيع معاهدة لوزان)
الوثيقة برقم 248، كتب في رأسها [هذه الوثيقة هي ملك لحكومة صاحب الجلالة البريطانية، ويجب إعادتها إلى وزارة الخارجية إذا لم تكن مطلوبة للاستخدام الرسمي]، وجهها إلى مكتب الهند وطلب تأمين الدعاية هناك لرفض الوفد التركي مرتين إعادة الكنوز التي أخذتها الجيوش التركية من قبر النبي
وتابع اللورد في الرسالة ممثلا الجانب البريطاني الذي طالب الأتراك خلال مفاوضات معاهدة لوزان إعادة مقتنيات الحجرة النبوية لأصحابها "هذه الأشياء التي كانت في جزء منها هدايا من الأمراء المسلمين الهنود، والحجاج الهنود تم نقلها بموجب تعهد رسمي بوجوب إعادتها بعد الحرب"
ويشير الكلام إلى أن حجة الأتراك أنها أرسلت كهدية للخليفة، ولأنهم أطاحوا بالخليفة القائم عن طريق العنف، فإن لهم الحق في الاحتفاظ بها للخليفة الجديد الذي سيختارونه. ووصف اللورد البريطاني ما قام به الأتراك بأنه "فعل سوء النية والتدنيس" وتوقع اندلاع احتجاجات شعبية ضد هذا الفعل
وختم اللورد رسالته "ولكن في غضون ذلك، يجب أن يطلب بالتأكيد من نائب الملك نشر الحقائق، لأنه ما لم يتأثر المسلمون الهنود تماما بالحزب والشعور المناهض لبريطانيا، فإنه من المرجح أن تصدر من الهند صرخة غضب مماثلة لتلك التي صدرت من أستراليا في ما يتعلق بمقابر الحرب في غاليبولي"
وفي وثيقة تحمل تاريخ 2 فبراير 1923 لم يتبين سبب توقيع اسم عصمت باشا في أسفلها، ولكنها مرسلة من الوفد البريطاني تعليقا على كلام الوفد التركي أمام اللجان. وحملت الوثيقة موضوع: قبر النبي، تعليقا على خطاب قدمه شكري باي أمام اللجنة الفرعية للجمسية والآثار
وجاء فيها "بالإشارة إلى البيان الذي أدليت به في اجتماع اللجنة الثانية يوم 27 يناير، فيما يتعلق بالكنوز المنقولة إلى القسطنطينية عام 1917، يشرفني أن أذكر بأن حكومة صاحب الجلالة البريطانية لا يمكنها أن تعتبر بأن هذه المسألة أغلقت بإعلان الوفد التركي أنه ليس من اختصاصه التعامل معها"
ويوضح المتحدث باسم الوفد البريطاني عدم قبول دولته بحجج الوفد التركي عندما نوقش هذا الأمر في اللجنة الفرعية للجنسية والآثار في 25 يناير، وفي اللجنة الثانية يوم 27 يناير. وتشير الوثيقة إلى أن الوفد البريطاني يعترف بأن الكنوز المعنية هي ملك للمسلمين بشكل عام
نضيف لكم هنا حرفيا ما جاء في إحدى الوثائق الفرنسية التي سننشرها لاحقا عن لسان شكري باي "إن القطع المعنية هي قطع أثرية مقدسة تعود للجالية المسلمة وتخضع لتعاليم القرآن الكريم"
وأضاف "كما يخضع دخول أو خروج القطع المقدسة من الأماكن التي تعتبر مقدسة إلى التعاليم الدينية. لا يمكن تقدير ضرورة هذه التنقلات وامتثالها بالتعاليم المذكورة إلا من قبل علماء الدين المسلمين كما ولا يمكن تنفيذها إلا من قبل خليفة المسلمين"
كلام شكري باي أمام اللجنة الفرعية في 25 يناير استدعى تعليقا من الجانب البريطاني، إذ جاء فيه "بالتالي، فإن الذين يعتبرون أنفسهم غير معنيين بالمسألة من وجهة نظر دينية، لا يحق لهم التدخل في هذا الأمر". كما أشار إلى أن الجانب التركي لن يقطع وعودا بإعادة الممتلكات المقدسة إلى مكانها
ومما قاله أيضا شكري باي في خطابه - الذي كان من الواضح أنه يقصد به التلميح إلى الدول الغربية - إن خليفة المسلمين يحمل في الوقت ذاته لقب خادم الأماكن المقدسة الإسلامية وولي أمرها ويمارس حقوقه وسلطاته على هذه الأمكنة
وبالعودة إلى تعليق الجانب البريطاني حرفيا "على الرغم من أنني غير قادر على قبول حجج الوفد التركي عندما نوقش هذا الأمر في اللجنة الفرعية للجنسية والآثار الأولى والثانية، لاحظت بارتياح أنه في البيان الذي أدلى به شكري باي تم الاعتراف بأن الكنوز المعنية هي ملك للمسلمين بشكل عام"
وأضاف "وهي حقيقة تبرر اهتمام الحكومة البريطانية بمصيرها بالنظر إلى العدد الكبير جدا من المسلمين الذين هم مواطني الإمبراطورية البريطانية"
بريطانيا المطالبة في مفاوضات معاهدة لوزان بإعادة المنقولات إلى المدينة المنورة، ذكر باعث الرسالة من جانبها بأن اهتمام بريطانيا كان مبنيا على المصلحة العامة وعلى حقيقة أن الحجاز التي لم تكن حكومتها ممثلة بمقعد في المؤتمر، طلبت من الوفد البريطاني لفت انتباه المؤتمر إلى هذه المسألة
وتشير الوثيقة المرسلة للجانب التركي إلى رغبة #بريطانيا يحل المسألة سلميا: "ما زلت آمل أن تجد الحكومة التركية طريقة لحل هذه المسألة من خلال إعادة الكنوز تلقائيا مع إحلال السلام وفقا للتعهد الرسمي الذي أعطي إلى أمين الحرم وأعيان المدينة المنورة عندما تمت إزالة الكنوز عام 1917"
واختتمت الرسالة بدعوة بريطانية إلى تسوية الأمر بين الحكومة التركية وحكومة الحجاز في الوقت المناسب مع اعتبار نفسها – أي بريطانيا – مخولة بمتابعة المفاوضات باهتمام خاص نظرا لكونها تخص الكثيرين من رعاياها المسلمين
وهذا ما جاء في ختام الوثيقة الرسمية حرفيا "في غضون ذلك، أرغب في تبيان، نيابة عن حكومتي، رأيها بأن الأمر يجب تسويته في الوقت المناسب بين الحكومة التركية وحكومة الحجاز المستقلة؛ وأنا لدي الشرف أن أضيف أنه وبسبب اهتمامها (أي الحكومة البريطانية)"
وتابع "بشكل عام بهذه المسألة باعتبارها تخص العديد من رعاياها المسلمين، فإن حكومة صاحب الجلالة سوف تعتبر نفسها مخولة بمتابعة هذه المفاوضات باهتمام خاص. أغتنم هذه الفرصة لأؤكد لمعاليكم خالص تقديري،
يشرفني أن أكون
في خدمتكم بإخلاص
كرزون أوف كيدلستون
يشرفني أن أكون
في خدمتكم بإخلاص
كرزون أوف كيدلستون